-A +A
علي الرباعي (جدة)

كعادة الإسلام السياسي في فرض نفسه على المجتمعات ورفض أي منافس له على الساحة، لم ينج التلفزيون من نقمة الصحويين السعوديين بحكم الانتماء الضليع للفكر القطبي المهووس بالسيطرة على مكونات الوطن واستئثارهم بالمشهد الشعبي ليمكنهم تغذيته بالتوجهات الإخوانية.

وما عرضته حلقة «العاصوف» اليوم (الأحد)، من كسر التلفزيون وترويج الشريط داخل كل بيت جاء في الحقبة الأولى للصحوة عبر استثمارها معاضدة رموز لها وغض الدولة الطرف عنهم، خصوصاً إثر صدمة حادثة احتلال الحرم وتنادي الحركيين لمحاربة الفساد الذي يزعمون بثه عبر الشاشات.

ونجحت الصحوة في الثمانينات في استغلال العلاقة مع المؤسسة الدينية، ونالت شخصيات دينية مراكز اجتماعية متقدمة، من خلال مواعظ «الشريط الإسلامي» التحريضية ضد الجمال والفن لتزهيد الناس في التسلية وربطهم بالتزمت وإعلاء شأن الشحن العاطفي بهموم فوق طاقة الإنسان البسيط.

وكان التوجه الحركي للصحويين متماهياً مع موقف رمز العنف «سيد قطب» بالحرص على تدمير كل ما يمت للسعادة بصلة؛ كون تعاسة المجتمعات تسهّل استقطاب الكوادر في خلايا العنف والإرهاب وكانت حماسة الشباب للصحوة وقوداً لتجاوز أدبيات الأسرة السعودية التي عاشت عقودا في حميمية وتآلف فتمكنت الصحوة من تفجير أواصر القربى بين الابن وأبيه، والأخ وأخيه، وفتحت مراكز احتواء للشباب المطرودين من منازلهم لتوسيع دائرة المناصرة الشعبية.

وتوجهت الصحوة نحو استدراج مشاهير إلى حوزتهم وإقناعهم بالظهور وإعلان التوبة ونجحوا في ترويج مصطلح «العفن الفني»، فتسابق مشاهير على التوبة واعتزال الفن. إلا أن براغماتية الصحويين سرعان ما التفتت إلى أهمية الفنون وتعلق الناس بالصورة فعادوا إلى المشهد بالتوجه إلى التلفزيون والفضاء والاستثمار في فضائيات لتعزيز مبادئهم وأفكارهم الثائرة وسرعان ما انقلبوا على آراء سيد قطب وإيثار موقف حسن البنا الذي تبنى تدريب طلبة المدارس على الأداء المسرحي وتعميم الفكرة على المدارس لاستبدال مسرح الفن بمسرح الصحوة للأناشيد الحماسية والتغذية الراجعة بالأفكار الرجعية، وفرض توجهات ورؤى فكرية وانتهازية بوأت لنفسها مكانة زائفة على أسس لها قداستها لتحقيق مكاسب دنيوية وشهرة.

كانت الانطلاقة الحقيقية للتنوير مع إنشاء التلفزيون عام 1965 في السعودية، فتأسست فرق الدراما والمسرح والفلكلور والموسيقى والغناء وجمعيات الثقافة والفنون، ونظم التلفزيون الرسمي حفلات لمطربين من مصر ودول عربية أخرى، إضافة إلى أمسيات لمطربين سعوديين، واهتمت الأندية الرياضية بتنظيم الحفلات لكبار النجوم السعوديين والخليجيين والعرب، بينهم طلال مداح ومحمد عبده وعبدالحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش، وبرزت مطربات ذاعت شهرتهن في الخليج، منهن صالحة حمدية، وبنات شافية، وابتسام لطفي وحجية المكاوية، وعتاب.

ويؤكد عازف الكمان الشهير أحمد الحفناوي في حوار متلفز «كان هناك اهتمام كبير في السعودية بإنشاء معهد للموسيقى وفرق للتلفزيون، وانتدبت للعمل، وبالفعل ذهبت إلى هناك وأسسنا أول معهد للموسيقى، وعندما انتهينا فوجئت بالملك فيصل يطلب إنشاء فرقة من 80 عازفًا، وهو رقم كبير»، وأضاف «تم تدريب عدد كبير من العازفين وأحضرنا آخرين، وتأسست فرقة للتلفزيون السعودي وأوركسترا وفرقة للعروض العسكرية».